مرت خمس سنوات على احتلال بلد الخلافه العراق
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مرت خمس سنوات على احتلال بلد الخلفة العراق
خمس سنوات مظلمة قاسية مضت من عمر احتلال العراق، ودخل العراقيون العام السادس والحال في البلد من سيئ إلى أسوأ؛ انهيار في كل شيء، وتخبط في مفردات حياة بائسة، فلا أمن ولا خدمات، والإحصائيات مرعبة ومخيفة تلك التي أضحت عنواناً لكل الأنباء القادمة من العراق: مليون قتيل ونيف، ومليون أرملة، وأكثر من خمسة ملايين يتيم، وأكثر من سبعة ملايين مهجّر داخل البلاد وخارجها، قطاع صحي على حافة الانهيار إن لم يكن بلغه، وعملية تربوية وتعليمية أشبه بالعدم؛ أساسها التزوير والغش، وطفولة معذبة، وعشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الاحتلال والحكومة، وضغوط اجتماعية ونفسية حولت الإنسان العراقي إلى كتلة مشتعلة من المعاناة والعذابات التي لها أول وليس لها آخر. تلك هي حصيلة خمس سنوات مضت من عمــر الاحتــلال، والكــارثة أن لا ضوء في نهاية النفق، كما يقول الفلاسفة.
• الأمن الضائع:
أول الخسائر التي تكبدها العراقيون وأفدحها منذ بدء الاحتلال - وما يزالون - هي الأمن؛ فكل الحديث الذي تتناقله وسائل الإعلام عن تحسن أمني في البلد لا يعد أكثر من كونه مزايدات لا وجود لها على أرض الواقع؛ فوتيرة العنف التي انخفضت كميّاً تصاعدت نوعيّاً، وبات المجرمون الذين يرتدون لباس الميليشيات الطائفية أكثر حنكة وأكثر حرفية في استهداف الأبرياء قتلاً وتهجيراً وخطفاً، حتى أصبحوا رديف المحتل في إلحاق الأذى بالعراقيين الذين تحولوا إلى أطلال بشرية، ولعل الإحصائيات التي أوردتها مؤخـــراً إحــدى المنظمات الدولية - وهي منظمــة بريطانية - التي كشفت فيها عن أن السنوات الخمس المنصرمة من عمر الاحتلال حصدت أرواح ما لا يقل عن مليون عراقي؛ ليست سوى صورة من صور المأساة التي حلت بالعراق والعراقيين، ويرافق هذا العدد طبعاً رقم آخر مرادف له، هو عدد الجرحى والمصابين من جراء أعمال العنف، وفيهم الكثير ممن أصيبوا بعاهات دائمة حوّلتهم من أعضاء منتجين إلى عالة على عوائلهم ومجتمعهم وهم بالآلاف. والأمن المفقود لم تتوقف نتائجه عند حدود حصد الأرواح، بل امتدت لتشمل كل شيء، حتى إن العراقي لا يأمن على نفسه لا في الشارع ولا في المنزل ولا في مكان العمل، وكثير من العراقيين قُتِلوا أو اختُطفوا من منازلهم ومن أماكن عملهم ومن الشارع وأمام أنظار القوات الحكومية التي تقول الإحصائيات الرسمية: إن عددها الضخم جعل من العراق البلدَ الأعلى في نسبة عناصر الشرطة إلى المواطنين في العالم؛ إذ تقول الإحصائيات: إن لكل (27) مواطناً عنصرَ شرطة، بينما المتعارف عليه دولياً أن لكل (200) مواطن رجلَ شرطة. وكل ذلك يعني أن عسكرة المجتمع في العراق تعد سابقة هي الأخطر عالمياً، ومع ذلك فأمن المواطن في مهب الريح، وهو ما زال بانتظار أن يحدث تغيير نحو الأفضل، ولكن من دون جدوى.
• الصحة أيضاً ضائعة:
كل المعطيات - كما يقول تقرير نشرته وكالة حق على شبكة الإنترنت وهي وكالة معنية بالشأن العراقي -: إن القطاع الصحي في البلد على حافة الانهيار الشامل، وهو صورة مؤلمة لواقع مأساوي يعيشه العراقيون، وإن النهج الطائفي الذي سيّرت به الحكومة مركب هذا القطاع الحيوي المهم لم يغطِّ على الوضع المتدهور الذي أضحى عليه، وهو وضع دفع منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها عن الوضع الصحي في العراق إلى التحذير من أن أحوال هذا القطاع المهم أصبح أقرب إلى الكارثة. ووفقاً لتقرير المنظمة؛ فإن أعمال العنف والسيارات المفخخة تقتل يومياً نحو (100) شخص، ولكنَّ هناك أرقاماً أخرى تكشف عن باقي تفاصيل المشهد العراقي: 70 % من العراقيين يفتقرون إلى مياه الشرب، و80 % منهم يفتقرون إلى مرافق صحية في منازلهم. ونتيجةً لهذه الظروف؛ فإن الإسهال، وباقي الالتهابات الجرثومية؛ تشكل الآن ثلثي أسباب الوفيات لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، بينما يعاني 20 % من سوء التغذية بنحو دائم، مما يجعل أطفال العراق عرضة لمخاطر التعويق الجسدي والعقلي.يقول الدكتور (ليس روبرتس) وهو مختص بمتابعة أبحاث متعلقة بالصحــة العــامة في العــراق ونشرها: إن ما نراه اليوم هو حصيلة للعنف الذي أدى في النهاية إلى هذا الانهيار الاجتماعي؛ في إشارة إلى الاحتلال والتداعيات التي ترتبت عليه، وهو يعتقد أن بعض الإحصائيات الحديثة تقلِّل من شأن المأساة الإنسانية التي يعيشها العراقيون، وأن الرقم الذي ذُكِر عن سقوط 100 قتيل يومياً في العراق جراء أعمال العنف؛ ليس دقيقاً، وأن الأرقام أكبر من ذلك بكثير. ولكن الأمر لا يتوقف عند ما ذكره هذا الباحث الدولي، بل يمتد إلى أمر آخر يوضح الوضع البائس الذي أضحى عليه القطاع الصحي في البلد، وهو أن الأرقام المعلَنة من الحكومة العراقية والمدعّمة من الاحتلال؛ تؤكد وفاة 70 % من الجرحى المصابين من جراء أعمال العنف، والذين يُنقَلون إلى المستشفيات؛ بسبب افتقار هذه المستشفيات إلى التجهيزات الطبية والبشرية الكافية.وما ذكرناه آنفاً عن القطاع الصحي والانهيار الذي يعاني منه؛ رافقه فشل ذريع لوزارة الصحة في النهوض بالمهام الموكلة إليها، وهو ما أهّلها لأن تكون - وبجدارة الوزارة - الأكثر فشلاً خلال العام الماضي بين وزارات الحكومة التي تسابقت في الفشل، وهو ما ذكره المفتش العام للوزارة، وزاد عليه: إن الفساد الإداري والمالي والأخلاقي فيها بلغ مستويات خطيرة، وبلغ حجم المبالغ المسروقة والمختلسة فيها ملايين الدولارات، وأن ظاهرة تهريب الأدوية واستيراد الأدوية المنتهية الصلاحية وبخاصة من إيران، باتت أمراً طبيعياً في عراق العهد الجديد الذي جاء به الاحتلال. والكارثة الأخرى التي حلت بهذا القطاع تمثلت في هرب أكثر من 75 % من الملكات الطبية والصيادلة والعاملين في التمريض من العمل منذ بدء الاحتلال وحتى الآن، كما أكدت ذلك منظمة دولية تعنى بالشؤون الصحية تدعى (ميداكت)؛ التي ذكرت أيضاً أنه ليس في العراق الآن سوى 9000 طبيب، أي بمعدل ستة أطباء لكل عشرة آلاف شخص عراقي بالمقارنة مع 23 طبيباً لكل عشرة آلاف شخص في بريطانيا؛ متهمةً وزارة دفاع الاحتلال الأمريكي (البنتاغون) التي أدارت شؤون العراق بعد الغزو مباشرة؛ بتجاهل الممارسات الدولية المتعارَف عليها دولياً في إدارة القطاع الصحي، وهو ما أدى إلى هذا الانهيار الشامل فيه.ومن المآسي الأخرى التي تعرض لها القطاع الصحي في ظل الاحتلال؛ هي عمليات الاغتيال الواسعة النطاق، وعمليات الخطف والتهديد التي تعــرض لهـــا آلاف الأطباء العراقيين، وبخاصة أصحاب الاختصاصات النادرة، من قِبَل مجاميع مسلحة من الميليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية. وتشير الإحصائيات المتوافرة عن أعداد الأطباء الذين تعرضوا للقتل أنهم بلغوا أكثر من 200 طبيب، بينهم اختصاصات نادرة، وكفاءات أكاديمية وعلمية مهمة، والحال ينسحب أيضاً على الكوادر الصحية الأخرى.
• أرامل وأيتام بالملايين:
تشير إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي إلى أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل، بينهم 500 ألف طفل مشرّد في الشوارع، بينما تضم دُور الدولة للأيتام 459 يتيماً فقط، بحسب مسؤولة قسم دُور الدولة للإيواء في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وتكشف الإحصائيات أيضاً أن كل خمس عائلات عراقية لديها طفل معاق لا يستطيع مواصلة الدراسة بعد الابتدائية؛ بسبب عدم توافر الظروف النفسية له، وأنه في ظل استمرار الأوضاع المأساوية للأطفال في العراق، ممثَّلة بسوء الرعاية الصحية والفقر وأعمال العنف؛ فإن الجيل الجديد سيكون جيلاً متمرداً وعنيفاً.(نادرة عايف): عضوة في لجنة المرأة والطفل في البرلمان عن جبهة (التوافق العراقية)؛ تنظر لمستقبل الطفل العراقي نظرة (يشوبها التشاؤم)؛ بسبب آثار الاحتلال والعنف المسلح المترتب عليه، وهي تقول: إنني أحمل نظرة تشاؤمية لمستقبل الأسرة العراقية نتيجةً للأوضاع المتفاوتة التي يعيشها أطفال العراق؛ بسبب الاحتلال، والتهجير، والعنف، والفقر، والتفكك الأسري. وقالت: إن من نتائج الاحتلال والعنف الذي جاء به أن عدد الأطفال الأيتام والمشردين وصل إلى نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل. إضافة إلى وجود (800) طفل في سجون الاحتلال والحكومة، يرافق ذلك أوضاع معاشية قاسية وصعبة لهؤلاء الأرامل والأيتام، مع إهمال حكومي واضح زاد من معاناة هذه الشريحة المهمة من المجتمع، التي هي بأمسّ الحاجة إلى الرعاية والاهتمام، وسط مجتمع أصابته حالة من الانهيار نتيجةَ الضغوط النفسية والعصبية التي سببها الاحتلال، حيث شاعت جرائم سرقة المال العام، وارتفعت نِسب الطلاق بنحو 200 % في المدة من عام 2003م وحتى 2007م، ووصار المجتمع العراقي أمام ظواهر شاذة مثل: بيع الأطفال، والاتجار بالفتيات. وقد ذكرت صحيفة سويدية أنها رصدت وسط بغداد بالصوت والصورة سوقاً كبيرةً لبيع الأطفال الرضّع والمراهقين، وقالت: إنها شاهدت طفلة عراقية في الرابعة من عمرها تدعى (زهراء) وهي تباع بمبلغ 500 دولار، وتسترسل الصحيفة لتقول: إن أطفال العراق يباعون في سوق النخاسة ونساءهم بغايا بالإكراه، وأرقام مخيفة من عدد القتلى اليومي، وأحزاب تنهــب ما فوق الأرض وما تحتها وتقدم لشعب العراق رصاصة الموت تحت رغيف الديمقراطية؛ جوع، وباء، سوء تغذية، تلوث بيئي، فوضى سياسية؛ يقتل الإنسان بقيمة قسيمة ملء الهاتف النقال.
• معتقلون بالآلاف:
الحلقــة الأخرى في سلسلة المعاناة العراقية التي بدأت مع قدوم الاحتلال الذي دخل عامه السادس؛ هي الزج بآلاف المعتقلــين في سجون الاحتلال والحكومات التي تعاقبــت على تولي زمام الأمور في البلاد تحت ظله، وبأسلوب كشف استهدافاً احتلالياً واضحاً للمقاومين لمشــروعه في العــراق؛ وهـــم أهل السنة الذين رفعوا السلاح في وجهـــه منـــذ اللحظة الأولى، واستهدافاً طائفياً من الحكومة مدفوعاً من أطراف خارجية، والنتيجــة كانت الــزجّ بآلاف الأبــرياء مــن أبنــاء أهــل السـنة فـي السجون والمعتقلات، حتى إن الإحصائيات المتداولة عن الأعداد الحقيقيــة لهــؤلاء وصلــت إلى 400 ألــف سجين ومحتجــز بيــن رجــل وامرأة وطفــل، مــوزعين على 36 سجناً منتشرة في جميع محافظات العراق، عدا السجون الخاصة بجيش الاحتلال ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.وتقول المحامية سحر الياسري، الناشطة في اتحاد الأسرى والسجناء العراقيين: إن ما يجري في هذه السجون من انتهاكات ووسائل تعذيب تجعل من سجن (أبو غريب) - سيئ الذكر - هو الأرحم من بين تلك السجون. موضحةً أن هناك ما يقرب من 6500 حَدَثٍ في السجون الحكومية وسجــون الاحتــلال، إلى جانـب عشرة آلاف امــرأة، والغالبيــة العظمى من هؤلاء السجناء لم يحقَّق معهم، ولم تــوجه إليهم اتهامات واضحة، وبعضهم لم يُعرَض على القضــاء منذ اعتقــالهم، وآخرون مضت عليهم سنوات وهــم محتجزون من دون وصف حقيقي لوضعهم القانوني.وهي تقول أيضاً: إن هناك ما يقارب الألفي سجين ممن يطلق عليهم (السجناء الاشباح) الذين اختفوا من غير أن يعرف مصيرهم، وأن ظاهرة الاختفاء القسري باتت شائعة في العراق؛ بسبب تعدد الجهات التي تمارس التغييب والخطف والقتل والقمع والسجن، وكل هذه المعلومات تؤكد حقيقة أن معظم الجثث المجهولة الهوية التي اشتهرت بها شوارع بغداد ومطامر نفاياتها؛ تعود في معظمها إلى سجناء ومعتقلين تجري تصفيتهم على أيدي الميليشيات الطائفية المتغلغلة في القوات الحكومية بنحو مرعب، والضحايا بالطبع هم أهل السنة، وهذا الأمر ليس نحن من نقوله، بل هو أمر تداولته المنظمات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة، ولعلنا نتذكر البرنامج الذي بثته القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني مطلع العام الماضي بشأن هذا الموضوع والضجة الكبيرة التي أثارها، مثلما نتذكر السيل الجارف من المعلومات والأنباء التي تتحدث عن الأوضاع الصحية السيئة للمعتقلين، حيث انتشرت أمراض الجرب، وسوء التغذية، وغيرها من الأمراض الأخرى؛ بسبب غياب الرعاية الصحية اللازمة لهؤلاء المعتقلين.والحقيقة المرّة؛ أنه حتى ما أطلق عليه اسم (قانون العفو العام) الذي أقرّ مؤخراً من قِبَل البرلمان والحكومة؛ لم يضع حداً لمعاناة آلاف المعتقلين؛ فهو في ظاهره قانون وفي باطنه صفقة سياسية مشبوهة لبعض الأطراف المتنفذة في الساحة السياسية العراقية. ويبدو أن هذا الـــجرح الغائـــر سيبقى نـــازفـــاً إلى أن يـــأذن الله - سبحانه - بزوال الاحتلال ومن سار في ركب مشروعه الذي يريد تمزيق العراق وتدميره.
• خدمات مفقودة:
ومن بين مصائب العراقيين التي لا تحصى ولا تعد في زمن الاحتلال؛ هي انعدام الخدمات وفي مقدمتها انهيار منظومة الطاقة الكهربائية؛ إذ لا يحظى المواطن بأكثر من ساعة واحدة يومياً من الطاقة الكهربائية، وقد لا يراها في أحيان أخرى لأيام متواصلة. والحال ينطبق على الماء الصالح للشرب، والذي تؤكد الإحصائيات الدولية أن أكثر من 70 % من العراقيين لا يتوفر لهم الماء الصالح للشرب، بينما صارت الكثير من شوارع بغداد ومعظم مراكز مدن العراق أماكن لتجمُّع المياه الثقيلة؛ بسبب عدم توفر شبكات تصريف المياه الثقيلة ومعها النفايات والأزبال التي صارت اليوم معلَماً من معالم الحياة الكارثية التي جلبها الاحتلال للعراقيين.
• التعليم أشبه بالعدم:
أما الحديث عن التعليم في العراق منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا الحاضر؛ فهو ذو شجون، وفيه من الحقائق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؛ فقد تراجع التعليم في جميع المستويات الدراسية، وأضحت المدارس والجامعات والمعاهد مكاناً لنشر الأفكار الهدامة، وصارت أماكن الدراسة مبعثَ قلق لعوائل التلاميذ والطلبة لأسباب عديدة، منها: خطورة الذهاب إليها بعد أن أصبحت هدفاً لأعمال التفجير والهجمات المسلحة، وقبل ذلك كله شيوع المفاهيم الطائفية في المدارس والجامعات التي أسست لها ذلك عملياتُ التغيير الواسعة النطاق للمناهج الدراسية بأسلوب مشبوه فيه إساءة متعمدة لتاريخ العراق ورموز الأمة العربية والإسلامية. ثم إن انخفاض المستوى العلمي جاء على خلفية انهيار العلاقة بين الطالب ومعلِّمه، وانتشار ظاهرة الغش في الاختبارات بأسلوب غريب قلّما عرفت له الإنسانية مثيلاً من قبل؛ إذ كانت الميليشيات طرفاً بارزاً في شيوع هذه الظاهرة الخطيرة من خلال إجبارها المدرسين في مراكز الاختبارات على حل الأسئلة وتقديمها إلى الطلبة، وأحيــاناً تسريب الأسئلة وبيعها بمبالغ بخسة! وشواهد هذا الأمر كثيرة جداً، منها ما حدث خلال العام الدراسي الماضي عندما اضطرت وزارة التربية إلى تأجيل امتحانات المرحلة النهائية للصفوف المنهية بعد اكتشاف عملية تسريب أسئلة الاختبارات وبيعها للطلبة قبل دخولهم قاعات الامتحان.وعندما نتحدث عن الوضع المأساوي للتعليم لا نستطيع تجــاوز عمليات القتل والخطف والتصفية الجسدية للمئات من الأساتذة، التي بلغت في آخر إحصائية أكثر من 600 أستاذ جامعي، في إطار مسلسل منظَّم لاستهداف العقول العراقية العلمية، بينما بلغ عدد من هُجِّروا منهم أكثر من 17000 أستاذ. وقد نالت عمليــات الاغتيــال أيضاً الكثير من المدرسين في مدارس المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعــدادية، وحتــى الطلبة؛ مما دفع الآلاف منهم إلى ترك مقاعد الدراسة والهجرة إلى خارج العراق حيث الضيــاع والغــربة والحرمان. والأبنية المدرسية هي الأخــرى كانــت صــورة من صور الحال البائسة التي وصـل إليهــا التعليــم، حيــث يعاني العراق من نقص شديد فيها.وعلى حين يدخل الاحتلال عامه السادس؛ لا يزال الكثير من تلاميذ العراق يتلقّون تعليمهم في مدارس من القصب والبردي، ويفترشون الأرض بسبب عدم وجود المقاعد الدراسية. وحاجة العراق للأبنية المدرسية باعتراف وزارة التربية تبلغ آلاف الأبنية، والطامة الكبرى أن وزارة التربية لم تصرف من الميزانية المخصصة لها العام الماضي أكثر من 3 % فقط! إن كل الذي ذكرناه عن حال العراق منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا الحاضر؛ ليس سوى غيض من فيض، فالجرح العراقي ما يزال ينزف بغزارة، بينما يملأ جلّادوه الدنيا ضجيجاً عن الأنموذج الرائع للديمقراطية التي جاء بها الاحتلال!
• الأمن الضائع:
أول الخسائر التي تكبدها العراقيون وأفدحها منذ بدء الاحتلال - وما يزالون - هي الأمن؛ فكل الحديث الذي تتناقله وسائل الإعلام عن تحسن أمني في البلد لا يعد أكثر من كونه مزايدات لا وجود لها على أرض الواقع؛ فوتيرة العنف التي انخفضت كميّاً تصاعدت نوعيّاً، وبات المجرمون الذين يرتدون لباس الميليشيات الطائفية أكثر حنكة وأكثر حرفية في استهداف الأبرياء قتلاً وتهجيراً وخطفاً، حتى أصبحوا رديف المحتل في إلحاق الأذى بالعراقيين الذين تحولوا إلى أطلال بشرية، ولعل الإحصائيات التي أوردتها مؤخـــراً إحــدى المنظمات الدولية - وهي منظمــة بريطانية - التي كشفت فيها عن أن السنوات الخمس المنصرمة من عمر الاحتلال حصدت أرواح ما لا يقل عن مليون عراقي؛ ليست سوى صورة من صور المأساة التي حلت بالعراق والعراقيين، ويرافق هذا العدد طبعاً رقم آخر مرادف له، هو عدد الجرحى والمصابين من جراء أعمال العنف، وفيهم الكثير ممن أصيبوا بعاهات دائمة حوّلتهم من أعضاء منتجين إلى عالة على عوائلهم ومجتمعهم وهم بالآلاف. والأمن المفقود لم تتوقف نتائجه عند حدود حصد الأرواح، بل امتدت لتشمل كل شيء، حتى إن العراقي لا يأمن على نفسه لا في الشارع ولا في المنزل ولا في مكان العمل، وكثير من العراقيين قُتِلوا أو اختُطفوا من منازلهم ومن أماكن عملهم ومن الشارع وأمام أنظار القوات الحكومية التي تقول الإحصائيات الرسمية: إن عددها الضخم جعل من العراق البلدَ الأعلى في نسبة عناصر الشرطة إلى المواطنين في العالم؛ إذ تقول الإحصائيات: إن لكل (27) مواطناً عنصرَ شرطة، بينما المتعارف عليه دولياً أن لكل (200) مواطن رجلَ شرطة. وكل ذلك يعني أن عسكرة المجتمع في العراق تعد سابقة هي الأخطر عالمياً، ومع ذلك فأمن المواطن في مهب الريح، وهو ما زال بانتظار أن يحدث تغيير نحو الأفضل، ولكن من دون جدوى.
• الصحة أيضاً ضائعة:
كل المعطيات - كما يقول تقرير نشرته وكالة حق على شبكة الإنترنت وهي وكالة معنية بالشأن العراقي -: إن القطاع الصحي في البلد على حافة الانهيار الشامل، وهو صورة مؤلمة لواقع مأساوي يعيشه العراقيون، وإن النهج الطائفي الذي سيّرت به الحكومة مركب هذا القطاع الحيوي المهم لم يغطِّ على الوضع المتدهور الذي أضحى عليه، وهو وضع دفع منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها عن الوضع الصحي في العراق إلى التحذير من أن أحوال هذا القطاع المهم أصبح أقرب إلى الكارثة. ووفقاً لتقرير المنظمة؛ فإن أعمال العنف والسيارات المفخخة تقتل يومياً نحو (100) شخص، ولكنَّ هناك أرقاماً أخرى تكشف عن باقي تفاصيل المشهد العراقي: 70 % من العراقيين يفتقرون إلى مياه الشرب، و80 % منهم يفتقرون إلى مرافق صحية في منازلهم. ونتيجةً لهذه الظروف؛ فإن الإسهال، وباقي الالتهابات الجرثومية؛ تشكل الآن ثلثي أسباب الوفيات لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، بينما يعاني 20 % من سوء التغذية بنحو دائم، مما يجعل أطفال العراق عرضة لمخاطر التعويق الجسدي والعقلي.يقول الدكتور (ليس روبرتس) وهو مختص بمتابعة أبحاث متعلقة بالصحــة العــامة في العــراق ونشرها: إن ما نراه اليوم هو حصيلة للعنف الذي أدى في النهاية إلى هذا الانهيار الاجتماعي؛ في إشارة إلى الاحتلال والتداعيات التي ترتبت عليه، وهو يعتقد أن بعض الإحصائيات الحديثة تقلِّل من شأن المأساة الإنسانية التي يعيشها العراقيون، وأن الرقم الذي ذُكِر عن سقوط 100 قتيل يومياً في العراق جراء أعمال العنف؛ ليس دقيقاً، وأن الأرقام أكبر من ذلك بكثير. ولكن الأمر لا يتوقف عند ما ذكره هذا الباحث الدولي، بل يمتد إلى أمر آخر يوضح الوضع البائس الذي أضحى عليه القطاع الصحي في البلد، وهو أن الأرقام المعلَنة من الحكومة العراقية والمدعّمة من الاحتلال؛ تؤكد وفاة 70 % من الجرحى المصابين من جراء أعمال العنف، والذين يُنقَلون إلى المستشفيات؛ بسبب افتقار هذه المستشفيات إلى التجهيزات الطبية والبشرية الكافية.وما ذكرناه آنفاً عن القطاع الصحي والانهيار الذي يعاني منه؛ رافقه فشل ذريع لوزارة الصحة في النهوض بالمهام الموكلة إليها، وهو ما أهّلها لأن تكون - وبجدارة الوزارة - الأكثر فشلاً خلال العام الماضي بين وزارات الحكومة التي تسابقت في الفشل، وهو ما ذكره المفتش العام للوزارة، وزاد عليه: إن الفساد الإداري والمالي والأخلاقي فيها بلغ مستويات خطيرة، وبلغ حجم المبالغ المسروقة والمختلسة فيها ملايين الدولارات، وأن ظاهرة تهريب الأدوية واستيراد الأدوية المنتهية الصلاحية وبخاصة من إيران، باتت أمراً طبيعياً في عراق العهد الجديد الذي جاء به الاحتلال. والكارثة الأخرى التي حلت بهذا القطاع تمثلت في هرب أكثر من 75 % من الملكات الطبية والصيادلة والعاملين في التمريض من العمل منذ بدء الاحتلال وحتى الآن، كما أكدت ذلك منظمة دولية تعنى بالشؤون الصحية تدعى (ميداكت)؛ التي ذكرت أيضاً أنه ليس في العراق الآن سوى 9000 طبيب، أي بمعدل ستة أطباء لكل عشرة آلاف شخص عراقي بالمقارنة مع 23 طبيباً لكل عشرة آلاف شخص في بريطانيا؛ متهمةً وزارة دفاع الاحتلال الأمريكي (البنتاغون) التي أدارت شؤون العراق بعد الغزو مباشرة؛ بتجاهل الممارسات الدولية المتعارَف عليها دولياً في إدارة القطاع الصحي، وهو ما أدى إلى هذا الانهيار الشامل فيه.ومن المآسي الأخرى التي تعرض لها القطاع الصحي في ظل الاحتلال؛ هي عمليات الاغتيال الواسعة النطاق، وعمليات الخطف والتهديد التي تعــرض لهـــا آلاف الأطباء العراقيين، وبخاصة أصحاب الاختصاصات النادرة، من قِبَل مجاميع مسلحة من الميليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية. وتشير الإحصائيات المتوافرة عن أعداد الأطباء الذين تعرضوا للقتل أنهم بلغوا أكثر من 200 طبيب، بينهم اختصاصات نادرة، وكفاءات أكاديمية وعلمية مهمة، والحال ينسحب أيضاً على الكوادر الصحية الأخرى.
• أرامل وأيتام بالملايين:
تشير إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي إلى أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل، بينهم 500 ألف طفل مشرّد في الشوارع، بينما تضم دُور الدولة للأيتام 459 يتيماً فقط، بحسب مسؤولة قسم دُور الدولة للإيواء في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وتكشف الإحصائيات أيضاً أن كل خمس عائلات عراقية لديها طفل معاق لا يستطيع مواصلة الدراسة بعد الابتدائية؛ بسبب عدم توافر الظروف النفسية له، وأنه في ظل استمرار الأوضاع المأساوية للأطفال في العراق، ممثَّلة بسوء الرعاية الصحية والفقر وأعمال العنف؛ فإن الجيل الجديد سيكون جيلاً متمرداً وعنيفاً.(نادرة عايف): عضوة في لجنة المرأة والطفل في البرلمان عن جبهة (التوافق العراقية)؛ تنظر لمستقبل الطفل العراقي نظرة (يشوبها التشاؤم)؛ بسبب آثار الاحتلال والعنف المسلح المترتب عليه، وهي تقول: إنني أحمل نظرة تشاؤمية لمستقبل الأسرة العراقية نتيجةً للأوضاع المتفاوتة التي يعيشها أطفال العراق؛ بسبب الاحتلال، والتهجير، والعنف، والفقر، والتفكك الأسري. وقالت: إن من نتائج الاحتلال والعنف الذي جاء به أن عدد الأطفال الأيتام والمشردين وصل إلى نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل. إضافة إلى وجود (800) طفل في سجون الاحتلال والحكومة، يرافق ذلك أوضاع معاشية قاسية وصعبة لهؤلاء الأرامل والأيتام، مع إهمال حكومي واضح زاد من معاناة هذه الشريحة المهمة من المجتمع، التي هي بأمسّ الحاجة إلى الرعاية والاهتمام، وسط مجتمع أصابته حالة من الانهيار نتيجةَ الضغوط النفسية والعصبية التي سببها الاحتلال، حيث شاعت جرائم سرقة المال العام، وارتفعت نِسب الطلاق بنحو 200 % في المدة من عام 2003م وحتى 2007م، ووصار المجتمع العراقي أمام ظواهر شاذة مثل: بيع الأطفال، والاتجار بالفتيات. وقد ذكرت صحيفة سويدية أنها رصدت وسط بغداد بالصوت والصورة سوقاً كبيرةً لبيع الأطفال الرضّع والمراهقين، وقالت: إنها شاهدت طفلة عراقية في الرابعة من عمرها تدعى (زهراء) وهي تباع بمبلغ 500 دولار، وتسترسل الصحيفة لتقول: إن أطفال العراق يباعون في سوق النخاسة ونساءهم بغايا بالإكراه، وأرقام مخيفة من عدد القتلى اليومي، وأحزاب تنهــب ما فوق الأرض وما تحتها وتقدم لشعب العراق رصاصة الموت تحت رغيف الديمقراطية؛ جوع، وباء، سوء تغذية، تلوث بيئي، فوضى سياسية؛ يقتل الإنسان بقيمة قسيمة ملء الهاتف النقال.
• معتقلون بالآلاف:
الحلقــة الأخرى في سلسلة المعاناة العراقية التي بدأت مع قدوم الاحتلال الذي دخل عامه السادس؛ هي الزج بآلاف المعتقلــين في سجون الاحتلال والحكومات التي تعاقبــت على تولي زمام الأمور في البلاد تحت ظله، وبأسلوب كشف استهدافاً احتلالياً واضحاً للمقاومين لمشــروعه في العــراق؛ وهـــم أهل السنة الذين رفعوا السلاح في وجهـــه منـــذ اللحظة الأولى، واستهدافاً طائفياً من الحكومة مدفوعاً من أطراف خارجية، والنتيجــة كانت الــزجّ بآلاف الأبــرياء مــن أبنــاء أهــل السـنة فـي السجون والمعتقلات، حتى إن الإحصائيات المتداولة عن الأعداد الحقيقيــة لهــؤلاء وصلــت إلى 400 ألــف سجين ومحتجــز بيــن رجــل وامرأة وطفــل، مــوزعين على 36 سجناً منتشرة في جميع محافظات العراق، عدا السجون الخاصة بجيش الاحتلال ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.وتقول المحامية سحر الياسري، الناشطة في اتحاد الأسرى والسجناء العراقيين: إن ما يجري في هذه السجون من انتهاكات ووسائل تعذيب تجعل من سجن (أبو غريب) - سيئ الذكر - هو الأرحم من بين تلك السجون. موضحةً أن هناك ما يقرب من 6500 حَدَثٍ في السجون الحكومية وسجــون الاحتــلال، إلى جانـب عشرة آلاف امــرأة، والغالبيــة العظمى من هؤلاء السجناء لم يحقَّق معهم، ولم تــوجه إليهم اتهامات واضحة، وبعضهم لم يُعرَض على القضــاء منذ اعتقــالهم، وآخرون مضت عليهم سنوات وهــم محتجزون من دون وصف حقيقي لوضعهم القانوني.وهي تقول أيضاً: إن هناك ما يقارب الألفي سجين ممن يطلق عليهم (السجناء الاشباح) الذين اختفوا من غير أن يعرف مصيرهم، وأن ظاهرة الاختفاء القسري باتت شائعة في العراق؛ بسبب تعدد الجهات التي تمارس التغييب والخطف والقتل والقمع والسجن، وكل هذه المعلومات تؤكد حقيقة أن معظم الجثث المجهولة الهوية التي اشتهرت بها شوارع بغداد ومطامر نفاياتها؛ تعود في معظمها إلى سجناء ومعتقلين تجري تصفيتهم على أيدي الميليشيات الطائفية المتغلغلة في القوات الحكومية بنحو مرعب، والضحايا بالطبع هم أهل السنة، وهذا الأمر ليس نحن من نقوله، بل هو أمر تداولته المنظمات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة، ولعلنا نتذكر البرنامج الذي بثته القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني مطلع العام الماضي بشأن هذا الموضوع والضجة الكبيرة التي أثارها، مثلما نتذكر السيل الجارف من المعلومات والأنباء التي تتحدث عن الأوضاع الصحية السيئة للمعتقلين، حيث انتشرت أمراض الجرب، وسوء التغذية، وغيرها من الأمراض الأخرى؛ بسبب غياب الرعاية الصحية اللازمة لهؤلاء المعتقلين.والحقيقة المرّة؛ أنه حتى ما أطلق عليه اسم (قانون العفو العام) الذي أقرّ مؤخراً من قِبَل البرلمان والحكومة؛ لم يضع حداً لمعاناة آلاف المعتقلين؛ فهو في ظاهره قانون وفي باطنه صفقة سياسية مشبوهة لبعض الأطراف المتنفذة في الساحة السياسية العراقية. ويبدو أن هذا الـــجرح الغائـــر سيبقى نـــازفـــاً إلى أن يـــأذن الله - سبحانه - بزوال الاحتلال ومن سار في ركب مشروعه الذي يريد تمزيق العراق وتدميره.
• خدمات مفقودة:
ومن بين مصائب العراقيين التي لا تحصى ولا تعد في زمن الاحتلال؛ هي انعدام الخدمات وفي مقدمتها انهيار منظومة الطاقة الكهربائية؛ إذ لا يحظى المواطن بأكثر من ساعة واحدة يومياً من الطاقة الكهربائية، وقد لا يراها في أحيان أخرى لأيام متواصلة. والحال ينطبق على الماء الصالح للشرب، والذي تؤكد الإحصائيات الدولية أن أكثر من 70 % من العراقيين لا يتوفر لهم الماء الصالح للشرب، بينما صارت الكثير من شوارع بغداد ومعظم مراكز مدن العراق أماكن لتجمُّع المياه الثقيلة؛ بسبب عدم توفر شبكات تصريف المياه الثقيلة ومعها النفايات والأزبال التي صارت اليوم معلَماً من معالم الحياة الكارثية التي جلبها الاحتلال للعراقيين.
• التعليم أشبه بالعدم:
أما الحديث عن التعليم في العراق منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا الحاضر؛ فهو ذو شجون، وفيه من الحقائق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؛ فقد تراجع التعليم في جميع المستويات الدراسية، وأضحت المدارس والجامعات والمعاهد مكاناً لنشر الأفكار الهدامة، وصارت أماكن الدراسة مبعثَ قلق لعوائل التلاميذ والطلبة لأسباب عديدة، منها: خطورة الذهاب إليها بعد أن أصبحت هدفاً لأعمال التفجير والهجمات المسلحة، وقبل ذلك كله شيوع المفاهيم الطائفية في المدارس والجامعات التي أسست لها ذلك عملياتُ التغيير الواسعة النطاق للمناهج الدراسية بأسلوب مشبوه فيه إساءة متعمدة لتاريخ العراق ورموز الأمة العربية والإسلامية. ثم إن انخفاض المستوى العلمي جاء على خلفية انهيار العلاقة بين الطالب ومعلِّمه، وانتشار ظاهرة الغش في الاختبارات بأسلوب غريب قلّما عرفت له الإنسانية مثيلاً من قبل؛ إذ كانت الميليشيات طرفاً بارزاً في شيوع هذه الظاهرة الخطيرة من خلال إجبارها المدرسين في مراكز الاختبارات على حل الأسئلة وتقديمها إلى الطلبة، وأحيــاناً تسريب الأسئلة وبيعها بمبالغ بخسة! وشواهد هذا الأمر كثيرة جداً، منها ما حدث خلال العام الدراسي الماضي عندما اضطرت وزارة التربية إلى تأجيل امتحانات المرحلة النهائية للصفوف المنهية بعد اكتشاف عملية تسريب أسئلة الاختبارات وبيعها للطلبة قبل دخولهم قاعات الامتحان.وعندما نتحدث عن الوضع المأساوي للتعليم لا نستطيع تجــاوز عمليات القتل والخطف والتصفية الجسدية للمئات من الأساتذة، التي بلغت في آخر إحصائية أكثر من 600 أستاذ جامعي، في إطار مسلسل منظَّم لاستهداف العقول العراقية العلمية، بينما بلغ عدد من هُجِّروا منهم أكثر من 17000 أستاذ. وقد نالت عمليــات الاغتيــال أيضاً الكثير من المدرسين في مدارس المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعــدادية، وحتــى الطلبة؛ مما دفع الآلاف منهم إلى ترك مقاعد الدراسة والهجرة إلى خارج العراق حيث الضيــاع والغــربة والحرمان. والأبنية المدرسية هي الأخــرى كانــت صــورة من صور الحال البائسة التي وصـل إليهــا التعليــم، حيــث يعاني العراق من نقص شديد فيها.وعلى حين يدخل الاحتلال عامه السادس؛ لا يزال الكثير من تلاميذ العراق يتلقّون تعليمهم في مدارس من القصب والبردي، ويفترشون الأرض بسبب عدم وجود المقاعد الدراسية. وحاجة العراق للأبنية المدرسية باعتراف وزارة التربية تبلغ آلاف الأبنية، والطامة الكبرى أن وزارة التربية لم تصرف من الميزانية المخصصة لها العام الماضي أكثر من 3 % فقط! إن كل الذي ذكرناه عن حال العراق منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا الحاضر؛ ليس سوى غيض من فيض، فالجرح العراقي ما يزال ينزف بغزارة، بينما يملأ جلّادوه الدنيا ضجيجاً عن الأنموذج الرائع للديمقراطية التي جاء بها الاحتلال!
محمد ابو الحمد- المدير العام
- عدد الرسائل : 160
العمر : 56
تاريخ التسجيل : 22/08/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى